تتزايد حالات الإصابة بالأمراض التنفسية الحادة في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، وسط رصد أعراض شديدة تصيب الجهاز التنفسي، ما أثار تساؤلات حول طبيعة هذه الإصابات، في ظل تضارب الآراء الرسمية والطبية حول ما إذا كانت إنفلونزا موسمية، أو إصابات ناتجة عن متحور جديد من فيروس “كورونا”.
ورغم أن وزارة الصحة أعلنت في وقت سابق أن الحالات المسجلة تندرج ضمن إطار الإنفلونزا الموسمية، توجه عدد من الأطباء لتشخيص بعض الأعراض على احتمال ارتباطها بمتحور جديد من فيروس “كورونا”.
الدكتور نبوغ العوا، الأستاذ في كلية الطب بجامعة “دمشق”، قال لعنب بلدي، إن معظم الحالات التنفسية الحادة التي تصيب المواطنين اليوم، ناتجة عن إصابة بالمتحور الجديد لـ”كورونا” وليس إنفلونزا موسمية.
وحذر العوا من الاستهانة بمتحور “كورونا” الجديد، مؤكدًا أن الفيروس لم يعد طارئًا بل أصبح مستوطنًا، إلا أنه لا يزال قادرًا على التسبب بمضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة في بعض الحالات، فأدى المتحور الجديد إلى وفاة ثلاث حالات كان يشرف على علاجها.
وأوضح العوا أن فيروس “كورونا”، وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، لم يعد ممكنًا القضاء عليه بشكل نهائي رغم الأدوية واللقاحات، وأصبح يشبه في انتشاره فيروسات الإنفلونزا والرشح، لكنه يتميز عنها بشدة الأعراض وإمكانية تطورها السريعة، خاصة عند وصول الإصابة إلى الرئتين.
وأشار إلى أن المتحور الجديد قد يبدأ بأعراض خفيفة تشبه الزكام، مثل الرشح أو التهاب الحلق الشديد، مع أو بدون ارتفاع في الحرارة، إضافة إلى السعال وبحة الصوت، وفي بعض الحالات فقدان أو نقص حاسة الشم، وهي أعراض شبيهة بمتحورات “كورونا” السابقة، إلا أن الخطورة تكمن، في تطور الحالة عند إهمال العلاج، إذ يمكن أن تنتقل الإصابة بسرعة إلى الرئتين مسببة التهابًا رئويًا ونقصًا حادًا في الأكسجين.
وشدد العوا على أن الخطأ الأكبر هو الاستهانة من قبل المرضى أو الأطباء، معتبرًا أن التعامل مع الأعراض على أنها نزلة برد عادية، والاكتفاء بالمسكنات أو الأعشاب، قد يؤدي إلى عواقب خطيرة.
ودعا إلى اعتبار أي أعراض رشح محتملة على أنها “كورونا” إلى أن يثبت العكس، خاصة إذا لم تتحسن خلال أربعة إلى خمسة أيام.
وبين أن العلاج لا يستهدف الفيروس بحد ذاته، بل المضاعفات التي يسببها، إذ يؤدي ضعف المناعة الناتج عن الإصابة الفيروسية إلى تنشيط الجراثيم المتعايشة في الجسم، ما يزيد شدة الأعراض، وهو ما يستدعي التدخل الدوائي المبكر لمنع تدهور الحالة، مؤكدًا أن المضاد الحيوي “أزيترومايسين” فقد فعاليته في هذه الجائحة.
وختم العوا بالتأكيد على أهمية الوقاية، داعيًا إلى عزل المصاب نفسه، وتجنب الزيارات، واستخدام الكمامة عند الضرورة، معتبرًا أن هذه الإجراءات تشكل خط الدفاع الأول للحد من انتقال العدوى وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر.
تضارب انعكس على صرف الدواء
سألت عنب بلدي عددًا من الصيادلة في مدينة دمشق لرصد طبيعة الحالات التي تراجع الصيدليات، وأنواع الأدوية التي يتم صرفها للمرضى.
الصيدلاني سامر الشتيوي قال إن معظم الحالات التي تسجل حاليًا تترافق مع ألم شديد في الحلق، وارتفاع في الحرارة، مع امتداد الأعراض إلى إصابة الجهاز التنفسي، إضافة إلى أعراض مرافقة مثل الإقياء والدوخة.
وأشار الشتيوي إلى أن هذه الأعراض تثير تساؤلات حول ما إذا كانت ناتجة عن متحور جديد من فيروس “كورونا” (SARS‑CoV-2).
وحول ما أعلنته وزارة الصحة مؤخرًا عن أن الحالات المسجلة هي إنفلونزا موسمية عادية، في مقابل آراء أطباء يرجحون أنها إصابات “كورونا”، أوضح الشتيوي أن هذا الخلاف انعكس بشكل مباشر على نوعية الأدوية الموصوفة.
وبين أن المضاد “أزيترومايسين” لم يعد يوصف حاليًا، إذ يرى أطباء أنه غير مفيد في هذه المرحلة، في حين يتركز الوصف الدوائي على “بروسيفزيل”، إضافة إلى أدوية وصفت بكثرة من قبل أطباء الأنف والأذن والحنجرة، مثل “سيفيكس” و”أوغمنتين”، وهي أنواع من المضادات الحيوية.
وأوضح أن مدة الإصابة وسطيًا تمتد لنحو عشرة أيام، بينما قد يستمر السعال لمدة تتراوح بين أسبوعين وحتى الشهر في بعض الحالات، مشيرًا إلى أن السعال يكون أشد مقارنة بالموجة الأولى من الجائحة، وغالبًا ما ينتهي بـبحة في الصوت، وهي عارض قد يظهر لدى بعض المرضى دون غيرهم، تبعًا لمناعة الجسم.
وأضاف أن الإقبال على وصف دواء “بروسيفزيل” يعود إلى كونه مضادًا حيويًا لم يكن شائع الاستخدام سابقًا، وبالتالي لم تتكون مقاومة واسعة ضده، ما جعله أكثر فعالية في الوقت الحالي، على حد قوله.
في المقابل، يبقى دواء “الأوغمنتين” من أكثر المضادات الحيوية وصفًا من قبل الأطباء، إلا أن النتائج الأفضل تسجل حاليًا مع “بروسيفزيل”.
وأوضح الشتيوي أن “أزيترومايسين” انتشر بشكل واسع خلال جائحة “كورونا” الأولى، بسبب رخص ثمنه وسهولة إعطائه (ثلاث حبات خلال ثلاثة أيام)، إذ يبلغ سعره نحو 12،000 ليرة، بينما يختلف سعر “أوغمنتين” بحسب الشركة، إذ يبدأ من نحو 20،000 ليرة لعلبة مؤلفة من ست حبات، وقد يصل إلى أكثر من 53,000 ليرة للعبوات الأكبر.
وأكد أن “أزيترومايسين” كان فعالًا خلال الموجة الأولى من جائحة “كورونا”، إلا أنه فقد جدواه حاليًا.
وفيما يخص اللقاحات، لفت الشتيوي إلى أن بعض الناس عادوا لتلقيها، في حين يشكك آخرون بفعاليتها، معتبرًا أن المشكلة قد تكون في أن الجسم لم يعد يتعرف على المتحور الجديد عبر اللقاحات القديمة، وبالتالي تظهر الأعراض نفسها حتى بعد التلقيح.
ورجح أن اللقاحات المتوفرة حاليًا قد تكون أكثر فائدة للإنفلونزا الموسمية، لكنها قد لا تكون فعالة ضد المتحور الحالي.
حالات إنفلونزا موسمية
أعلنت وزارة الصحة السورية عن استمرار ارتفاع حالات الأمراض التنفسية الحادة في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة.
وأوضحت الصحة في بيان، نشرته في 17 من كانون الأول، أن بيانات نظام ترصد الإنفلونزا الوطني في الوزارة، أظهرت استمرار التزايد في حالات الأمراض التنفسية الحادة خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك وفق التحليل الوبائي والمخبري الوارد من المشافي والمراكز الصحية والمخابر المعتمدة.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع واضح في نشاط الإنفلونزا الموسمية، حتى الأسبوع الوبائي 48 من عام 2025، حيث ارتفعت نسبة الإيجابية المخبرية إلى 45.3%، مقارنة بـ28% في التحديث السابق.
كما أظهرت نتائج التحاليل المخبرية سيطرة شبه كاملة لفيروس “الإنفلونزا A”، ومعظمها من النمط الفرعي (H3N2)، وهو النمط السائد الإقليمي والعالمي حاليًا، مع استمرار محدود لدور فيروس “كوفيد-19”.
ونوهت الوزارة أنه خلال الأسبوعين الوبائيين 47 و48، أظهرت النتائج المخبرية أن نسبة الإيجابية لفيروس “الإنفلونزا A” بلغت 93% من الحالات الإيجابية، مقابل 7% لفيروس (SARS-CoV-2)، ما يؤكد أن التزايد الحالي يعود بشكل رئيسي للإنفلونزا الموسمية.
وأكدت وزارة الصحة أنه تم توسيع بعض أقسام العناية المشددة والمتوسطة في عدد من المشافي، كما يجري العمل على إدخال ستة أجهزة تهوية آلية إضافية إلى أقسام العناية المشددة، إلى جانب تأمين 12 جهاز تهوية بالضغط الإيجابي، تعزيزًا لقدرة النظام الصحي على التعامل مع الحالات الشديدة.
وبينت الوزارة أن الحالات الشديدة لا تزال ضمن المستويات المتوقعة مقارنة بالسنوات السابقة، مع استمرار تطبيق البروتوكولات العلاجية الوطنية المعتمدة، بما في ذلك البدء المبكر بالعلاج بالمضاد الفيروسي “الأوسيلتاميفير” للحالات الشديدة والفئات الأكثر عرضة للاختلاطات، دون انتظار نتائج التحاليل المخبرية.
ودعت الوزارة المواطنين إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية العامة، ومراجعة المراكز الصحية عند ظهور الأعراض التنفسية، خاصة لدى الأطفال وكبار السن والحوامل ومرضى الأمراض المزمنة، مؤكدة أن المعلومات الصحية المعتمدة تصدر حصريًا عبر القنوات الرسمية لوزارة الصحة.
ما الفرق بين الإنفلونزا و”كورونا”؟
فيروس الإنفلونزا (A H3N2)
- ينتمي إلى عائلة فيروسات الإنفلونزا، وليس إلى عائلة “كورونا”.
- يسبب أعراضًا تنفسية شبيهة بالإنفلونزا: حرارة، سعال، صداع، تعب، وآلام عضلية.
- معروف وموسمي، لكنه قد يؤدي لمضاعفات عند الفئات الضعيفة.
فيروس “كورونا” (SARS‑CoV-2)
- ينتمي إلى عائلة فيروسات “كورونا”، وهو المسؤول عن “كوفيد‑19”.
- أعراضه قد تتشابه مع الإنفلونزا، لكن لديه قدرة أكبر على الانتشار وقد تكون مضاعفاته أخطر.
- لا يمكن التمييز بدقة بينه وبين الإنفلونزا إلا من خلال الفحص المخبري.













0 تعليق