ذكرت وكالة “رويترز” أن الحكومة السورية أمرت بنشر قوات عسكرية لحراسة موقع مقبرة جماعية في صحراء الضمير شرق دمشق، وفتحت تحقيقًا جنائيًا رسميًا في القضية، عقب تحقيق موسع نشرته الوكالة، في تشرين الأول الماضي، يوثق عملية سرية نُفذت بأوامر من القصر الرئاسي في النظام السوري السابق، لنقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية قرب بلدة القطيفة بريف دمشق إلى موقع جديد في صحراء الضمير، بين عامي 2019 و2021.
وفي تقرير لـ”رويترز” نشرته اليوم، الاثنين 29 من كانون الأول، نقلت عن ضابط سابق في الجيش السوري اطلع على تفاصيل العملية، أن الموقع الواقع في صحراء الضمير استخدم خلال حكم الأسد المخلوع كمستودع للأسلحة.
وفي عام 2018، جرى إخلاء المنشأة من العناصر بشكل كامل، في خطوة هدفت إلى ضمان سرية مخطط تضمن استخراج جثث آلاف الضحايا المدفونين في مقبرة جماعية قرب دمشق، ونقلها بواسطة شاحنات لمسافة تقارب ساعة بالسيارة إلى الضمير.
وأطلق المقربون من الأسد على هذه الخطة اسم عملية “نقل الأرض”، وهي العملية ذاتها التي أعادت الحكومة الحالية نشر جنود في موقعها، لكن هذه المرة لحمايته بعد الإطاحة بالأسد، بحسب “رويترز”.
وكان الموقع مكشوفًا تمامًا خلال فصل الصيف، حين زاره صحفيو “رويترز” مرات عدة عقب اكتشاف المقبرة الجماعية. غير أنه، وبعد أسابيع قليلة من نشر الوكالة للتحقيق، في تشرين الأول، أنشأت الحكومة الجديدة نقطة تفتيش عند مدخل المنشأة، بحسب ما أفاد جندي متمركز هناك لـ”رويترز” منتصف كانون الأول، وبات الدخول إلى الموقع يتطلب تصاريح رسمية من وزارة الدفاع.
إعادة تفعيل القاعدة
نقلت الوكالة عن ضابط في الجيش كان يعمل في الموقع مطلع كانون الأول، ومسؤول عسكري، إضافة إلى رئيس أمن الضمير، الشيخ أبو عمر طواق، أن المنشأة العسكرية في الضمير أعيد تفعيلها في تشرين الثاني الماضي، لتعود للعمل كثكنة ومستودع أسلحة بعد سبع سنوات من التوقف.
وأظهرت صور أقمار صناعية راجعتها “رويترز” منذ أواخر تشرين الثاني نشاطًا متزايدًا للمركبات في محيط القاعدة الرئيسة.
وقال مسؤول عسكري للوكالة، فضل عدم نشر اسمه، إن إعادة تفعيل القاعدة تأتي ضمن مساعٍ تهدف إلى ضمان السيطرة على البلاد ومنع الأطراف المعادية من استغلال هذه المنطقة الاستراتيجية المفتوحة، لافتًا إلى أن الطريق الصحراوي هناك يربط بين أحد آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعاصمة دمشق.
تحقيق وشهادات
ذكر تقرير “رويترز” أنه في تشرين الثاني الماضي، فتحت الشرطة تحقيقًا رسميًا في المقبرة، شمل توثيق الموقع بالصور، وإجراء مسوحات للأراضي، واستجواب عدد من الشهود، وفق ما قاله رئيس مركز شرطة الضمير، جلال طباش.
وكان من بين من استجوبتهم الشرطة أحمد غزال، أحد المصادر الرئيسة لتحقيق “رويترز”، وهو ميكانيكي كان يقوم بإصلاح الشاحنات التي تعطلت في أثناء نقل الجثث، وقال، “أخبرتهم بكل التفاصيل التي أخبرتكم بها عن العملية وما شاهدته خلال تلك السنوات”.
وأكد أن الموقع العسكري، خلال فترة تنفيذ عملية “نقل الأرض”، كان يبدو خاليًا تمامًا، باستثناء الجنود المرافقين لقوافل الشاحنات.
ولم ترد وزارة الإعلام السورية على طلبات “رويترز” للتعليق بشأن إعادة تفعيل القاعدة أو التحقيق في المقبرة الجماعية.
في حين قالت المستشارة الإعلامية للهيئة الوطنية للمفقودين، زينة شهلا، لعنب بلدي، إن الهيئة تواصلت بخصوص الموقع المذكور مع وزارة الداخلية لحماية الموقع وفق الآليات المتبعة لديهم.
وكانت الهيئة أعلنت الهيئة أنها تعمل على تدريب كوادرها وإنشاء مختبرات مطابقة للمعايير الدولية الخاصة باستخراج الجثث من المقابر الجماعية.
وأوضحت الهيئة لـ”رويترز” أن عمليات استخراج الجثث من المقابر الجماعية العائدة لعهد الأسد، ومن بينها موقع الضمير، مقررة عام 2027.
مشتبه بهم داخل وخارج سوريا
أحالت الشرطة تقريرها حول عملية الضمير إلى المدعي العام لمنطقة عدرا، القاضي زمان العبد الله، الذي قال لـ”رويترز”، إن المعلومات المتعلقة بمشتبه بهم من عهد الأسد، داخل سوريا وخارجها، تخضع حاليًا للمراجعة والتدقيق، ومقارنتها بوثائق حصلت عليها الأجهزة الأمنية بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، رافضًا الكشف عن هوياتهم في ظل استمرار التحقيق.
وبحسب وثائق عسكرية اطلعت عليها “رويترز”، إلى جانب شهادات مدنية وعسكرية، تولى العقيد مازن إسمندر إدارة الخدمات اللوجستية لعملية “نقل الأرض”، بوصفه شخصية محورية فيها، وعند التواصل معه عبر وسيط، رفض إسمندر التعليق على تحقيق “رويترز” أو على التحقيق الجنائي الجديد.
سياق سياسي لإخفاء الجرائم
يشير التقرير إلى أنه عندما جرى التخطيط للعملية عام 2018، كان الرئيس المخلوع بشار الأسد يقترب من إعلان النصر في الحرب، ويسعى إلى إعادة تأهيل نفسه دوليًا بعد سنوات من العقوبات والاتهامات الواسعة بارتكاب انتهاكات جسيمة، شملت احتجاز وقتل آلاف السوريين.
وكان ناشطون حقوقيون قد أبلغوا سابقًا عن وجود مقبرة جماعية في بلدة القطيفة شمال دمشق، ما دفع، بحسب “رويترز”، إلى صدور أمر مباشر من القصر الرئاسي يقضي بحفر المقبرة ونقل الجثث إلى المنشأة العسكرية في صحراء الضمير.
وعلى مدى نحو عامين، من 2019 حتى 2021، جرت العملية بمعدل أربع ليالٍ أسبوعيًا، تحت إشراف إسمندر، حيث نقلت الجثث والتراب من مقبرة القطيفة المكشوفة إلى المنشأة المهجورة في الصحراء، فيما امتلأت الخنادق هناك بالجثث مع تقدم عمليات النقل.
وفي إطار تحقيقها، تحدثت “رويترز” إلى 13 شخصًا لديهم معرفة مباشرة بالعملية، وحللت أكثر من 500 صورة أقمار صناعية للموقعين. وبالاستعانة بخبراء في الجيولوجيا الجنائية، استخدمت الوكالة طائرات مسيرة لإنتاج صور جوية مركبة عالية الدقة، أظهرت تغيرات لونية واضحة في التربة المضطربة حول خنادق دفن الضمير، ما عزز الأدلة على نقل الجثث وإعادة دفنها.









0 تعليق