عنب بلدي – أمير حقوق
يشهد الوسط الفني خلال السنوات الأخيرة ظاهرة لافتة تمثلت في دخول عدد من الممثلين السوريين إلى عالم كتابة المسلسلات، في خطوة تعكس تحولًا في أدوار الفنانين ورغبتهم بالتأثير بشكل أعمق في صناعة الدراما، ليس فقط من أمام الكاميرا، بل من خلفها أيضًا.
هذا التحول تجسد مؤخرًا بإعلان الفنانة نسرين طافش خوضها تجربة التأليف للمرة الأولى، من خلال المسلسل المصري “أنا وهو وهم”، المقرر عرضه في الموسم الرمضاني المقبل، كما أعلنت الفنانة رنا شميس عن عملها على كتابة مسلسل “المليئية” للعرض في الموسم ذاته، لتنضما بذلك إلى قائمة من الأسماء التي سبقتهما إلى هذه التجربة، من بينها أمل عرفة وطلال مارديني ويامن الحجلي وإياد أبو الشامات، في مؤشر على اتساع هذه الظاهرة داخل الدراما السورية.
دافع إبداعي أم اقتصادي؟
لا يبدو هذا التوجه وليد المصادفة، إذ يستند إلى خبرة تراكمية اكتسبها الممثلون عبر سنوات من التعامل المباشر مع النصوص والشخصيات المختلفة، ما يمنحهم فهمًا أعمق للبناء الدرامي وتعقيدات الشخصيات وإيقاع الحوار، هذه الخلفية العملية تجعل انتقالهم إلى الكتابة خطوة طبيعية، سواء بدافع التعبير الإبداعي أو في إطار البحث عن حضور مستمر وفرص أوسع داخل صناعة الدراما.
وهنا، يشرح الناقد الفني عامر عامر، في حديث إلى عنب بلدي، أن دوافع توجه الممثلين السوريين إلى عالم الكتابة متشابكة، ولا يمكن اختزالها في سبب واحد، بل هي متنوعة، ولا بد أن يكون هنالك دافع إبداعي حقيقي، فبعض الفنانين يمتلكون رغبة قديمة في السرد وصناعة الحكاية، ويشعرون بأن التمثيل وحده لا يلبي طموحهم التعبيري.
“لن نغفل دافعًا مهمًا سببه تراجع فرص التمثيل وتقلبات السوق”، أضاف عامر، فبعض الممثلين، خاصة من الصف الثاني أو ممن تراجعت نجوميتهم، “وجدوا في الكتابة وسيلة للبقاء داخل الصناعة، أو لخلق فرصة عمل لأنفسهم”.
الكتابة قد تمنح الفنان سلطة إضافية في اختيار الموضوع، ورسم الشخصية، وتحديد موقعه داخل العمل.
عامر عامر
ناقد قني
الكاتب الدرامي (السيناريست) فادي حسين، اعتبر أنه لا يمكن اختزال الدوافع بسبب واحد، فبعض الفنانين دخلوا الكتابة بدافع فني خالص، نتيجة تراكم الخبرة والاحتكاك الطويل بالنصوص والشخصيات والمخرجين، ما ولّد لديهم رغبة طبيعية في التعبير من موقع آخر، مثل الفنانة أمل عرفة، على سبيل المثال لا الحصر، وقد نجحت في التمثيل والكتابة، بحسب تعبيره.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن تراجع فرص التمثيل، وتقلّص الإنتاج، واحتكار الأدوار، دفعت بعض الفنانين للبحث عن مسارات موازية تضمن استمرارية حضورهم المهني، بحسب حسين.
الدافع الاقتصادي أو المهني وحده لا يكفي لإنجاح تجربة الكتابة، فالكتابة ليست ملاذًا اضطراريًا، بل حقل إبداعي له أدواته وشروطه، ومن لا يدخل إليه بوعي فني حقيقي، غالبًا يتعثر.
فادي حسين
كاتب درامي
التمثيل يؤهلهم بعدة جوانب
يرى نقاد أن دخول الممثلين إلى مجال التأليف يحمل جوانب إيجابية، أبرزها تقديم شخصيات أكثر عمقًا وواقعية، نابعة من تجربة أدائية حقيقية، إضافة إلى فهم أفضل لاحتياجات الممثل في أثناء التصوير، ما ينعكس على جودة العمل النهائي.
“السيناريست” فادي حسين، والناقد الفني عامر عامر، اتفقا على أن التمثيل يمنح ميزة نسبية في فهم البعد النفسي للشخصيات، وإيقاع الحوار، وما يمكن أن يُؤدّى أو لا يُؤدّى أمام الكاميرا، فالممثل يعرف من الداخل أين يتنفس المشهد وأين يختنق، ويختبر الإحساس العملي بالإيقاع والحوار، والوعي بالأداء، لكن هذه الميزة لا تتحول تلقائيًا إلى نص درامي متماسك، فالكتابة لا تتوقف عند بناء الشخصية، بل تشمل بنية السرد، وتطور الصراع، وإدارة الزمن، وتعدد الخطوط الدرامية.
لذلك انعكس هذا التوجه إيجابًا في بعض التجارب التي احترمت أدوات الكتابة، وسلبيًا يتجلى في ظهور الخلل لدى بعض الفنانين الكتاب، إذ تتحول النصوص إلى مشاهد طويلة بلا تطور، أو حوارات نفسية مكررة، وشخصيات تبرر نفسها أكثر مما تتصارع، بحسب حسين وعامر.
بين مشروعية النقد ومهنة الكتابة
يثير هذا التوجه جدلًا داخل الوسط الفني، إذ يعتقد بعض المختصين أن الكتابة الدرامية مهنة مستقلة تتطلب أدوات مختلفة عن التمثيل، محذرين من أن الاعتماد على الشهرة وحدها قد يؤدي إلى نصوص ضعيفة إذا لم تكن مدعومة بخبرة حقيقية ودراسة معمقة.
كثير من الانتقادات تدور حول اتهام بعض الفنانين بالاستسهال، واعتبار الكتابة مهنة بديلة لا خيارًا معرفيًا، والتشكيك في أحقية غير المتخصصين بدخول المجال، وفق ما قاله الناقد الفني عامر عامر.
وبرر أنها كلها انتقادات مشروعة حين يُنتج نص ضعيف، لكنّه يُنفذ فقط بسبب شهرة صاحبه، وبالتالي يتمّ تهميش كتاب محترفين لمصلحة أسماء معروفة، وهذا وقع فعلًا.
أما “السيناريست” فادي حسين، فاعتبر أن جزءًا من هذه الانتقادات مشروع، خاصة حين يتعلق بجودة النص أو باختصار سنوات من التراكم المهني في تجربة سريعة مدفوعة بالشهرة، مشددًا على أن “الكتابة مهنة قائمة بذاتها، ومن حق كتاب السيناريو الدفاع عن معاييرها”.
لكن جزءًا آخر من الانتقادات يتقاطع مع مخاوف حقيقية من تراجع فرص الكتاب المتخصصين، في ظل ميل بعض شركات الإنتاج إلى الأسماء المعروفة جماهيريًا، بغض النظر عن نضج التجربة الكتابية، وفق رأيه، مؤكدًا أن جودة النص وحدها يجب أن تكون الحكم النهائي.
متطلبات تحدد نجاح التجربة
مع استمرار هذه الظاهرة، يبدو أن الدراما السورية مقبلة على مرحلة جديدة تتداخل فيها الأدوار الإبداعية، في ظل سعي الفنانين إلى كسر القوالب التقليدية والمساهمة في تطوير المحتوى الدرامي.
وهنا، اقترح الناقد الفني عامر عامر، أنه لضمان نجاح هذه التجربة، لا بد من الاعتراف بأن الكتابة مهنة مستقلّة وليست امتدادًا تلقائيًا للتمثيل، ومن يدخل هذا المجال من الفنانين عليه بالتعلم الجاد، ودراسة تقنيات الكتابة، أو العمل مع مستشارين دراميين على الأقل.
ولفت إلى ضرورة التواضع المهني، من خلال قبول النقد وإعادة الكتابة، والفصل بين الدورين، بحيث لا تُكتب الشخصيات لخدمة الممثل فقط، والعمل الجماعي والشراكة مع كتاب محترفين بدل إقصاء الكتاب المحترفين.
“السيناريست” فادي حسين، حدد عدة متطلبات لنجاح التجربة، تلخصت في:
- احترام الكتابة بوصفها حرفة لا تقل تعقيدًا عن التمثيل، والاستعداد للتعلم، والتجريب، والفشل.
- الفصل بين الأنا التمثيلية ومنطق النص، وعدم تحويل الكتابة إلى منصة لخدمة الذات أو البطولة.
- الانفتاح على التعاون مع كتّاب محترفين أو “دراماتورج”، والاستفادة من النقد بدل اعتباره هجومًا شخصيًا.
- أن يكون الدافع الأساسي هو تقديم نص صادق وجيد، لا مجرد تثبيت حضور أو ملء فراغ مهني.






0 تعليق