نزاعات الشركاء: ما بين إساءة الإدارة وسوء النية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نزاعات الشركاء: ما بين إساءة الإدارة وسوء النية, اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025 11:37 مساءً

تعد نزاعات الشركاء من أكثر الإشكالات تعقيدا في البيئة التجارية، لا لكونها خلافات مالية فحسب، بل لأنها تمس جوهر الثقة التي يقوم عليها الكيان التجاري. فالشركة، في أصل تكوينها، ليست مجرد عقد أموال، وإنما علاقة تعاون طويلة الأمد، تتقاطع فيها المصالح والسلطات والقرارات. وعندما تختل هذه المعادلة، تظهر النزاعات بصور متعددة، أبرزها ما يكون بين إساءة الإدارة من جهة، وسوء النية من جهة أخرى.

إن إساءة الإدارة غالبا ما تنشأ من ممارسة الشريك المدير سلطاته دون مراعاة الضوابط النظامية أو المصلحة المشتركة للشركة. وقد تتجلى هذه الإساءة في قرارات مالية غير مدروسة، أو في إبرام عقود تخدم طرفا معينا على حساب بقية الشركاء، أو في إخفاء معلومات جوهرية عن الوضع المالي الحقيقي للشركة. وفي مثل هذه الحالات، يكون الخلاف في جوهره خلافا حول معيار الإدارة الرشيدة، وحدود السلطة التقديرية، وليس بالضرورة خلافا نابعا من نية سيئة ظاهرة.

أما سوء النية، فهو أخطر درجات النزاع، لأنه يخرج بالشراكة من نطاق الخطأ الإداري إلى دائرة التعمد والإضرار. ويتحقق سوء النية عندما يثبت أن الشريك تصرف بقصد تحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة، أو تعمد إضعاف الشركة، أو استغل مركزه للإضرار ببقية الشركاء، كتحويل الأرباح، أو تعطيل القرارات، أو استخدام الشركة كواجهة لمشاريع خاصة. وفي هذه الصورة، لا يكون النزاع مجرد اختلاف في الرأي الإداري، بل انحراف في السلوك يهدد بقاء الشركة ذاته.

الإشكال العملي في نزاعات الشركاء يتمثل في التداخل بين إساءة الإدارة وسوء النية، إذ يسعى كل طرف إلى توصيف سلوك الآخر بما يخدم موقفه القانوني. فالشريك المتضرر يحاول إثبات سوء النية لما يترتب عليه من آثار مشددة في المسؤولية، في حين يتمسك الشريك المدير بأن ما صدر عنه لا يعدو كونه اجتهادا إداريا قد يصيب أو يخطئ. ومن هنا تبرز أهمية التحليل القضائي الدقيق، القائم على فحص الوقائع، وسلوك الشريك، وتكرار التصرفات، ومدى تعارضها مع مصلحة الشركة.

وتكمن خطورة هذه النزاعات في أنها، إن لم تعالج مبكرا، قد تشل نشاط الشركة، وتفقدها ثقة السوق، وتحولها من مشروع استثماري إلى ساحة صراع. كما أن استمرار الشراكة القسرية بين أطراف متنازعة غالبا ما يؤدي إلى خسائر مضاعفة، تفوق بكثير قيمة النزاع الأصلي.

الحل القانوني الرشيد لا يبدأ عند أبواب المحاكم، بل من مرحلة التأسيس، عبر صياغة اتفاقيات شركاء واضحة، تحدد بدقة صلاحيات الإدارة، وآليات الرقابة، وطرق فض النزاع، وحالات الخروج من الشراكة. وينص على الصلاحيات بوضوح في عقد تأسيس الشركة، وعند وقوع النزاع، فإن التكييف القانوني السليم، الذي يميز بين الخطأ الإداري وسوء النية، هو مفتاح الوصول إلى حكم عادل، يحمي الشركة، ويصون حقوق الشركاء، ويعيد للتعامل التجاري توازنه المفقود.

وفي النهاية، تبقى نزاعات الشركاء اختبارا حقيقيا لمدى نضج العلاقة التجارية، فإما أن تدار بحكمة فتصحح المسار، أو تترك دون علاج فتتحول إلى سبب مباشر لانهيار الكيان بأكمله.

أخبار ذات صلة

0 تعليق