حمص – محمد كاخي
شكّلت حمص منذ بداية الثورة السورية عام 2011 مركزًا للمظاهرات والاحتجاجات السلمية، ولاحقًا المسلحة، وكان رد النظام السابق على مظاهرات واحتجاجات حمص بالرصاص والمدافع والطائفية، وارتكبت قواته فيها مجازر وعمليات تصفية خارج القانون، وأخفت جثث الضحايا في مقابر جماعية يتم اكتشافها بشكل متواصل بعد سقوط نظام الأسد المخلوع في كانون الأول 2024.
ولا يزال كثير من أهالي الضحايا الذين أخفاهم جنود الأسد و”شبيحته” يجددون سؤالهم عن مصير مفقوديهم.
ذاكرة مفتوحة على الماضي
تكررت خلال الأشهر الأخيرة إعلانات العثور على مقابر جماعية في أحياء وقرى متفرقة من المحافظة، من كرم الزيتون ودير بعلبة داخل المدينة، إلى المخرم وتلكلخ وريف حمص الغربي والشرقي، في مشهد يعيد استحضار ذكريات القتل والتصفية الميدانية في واحدة من أكثر المحافظات السورية تعرضًا للعنف الممنهج منذ بدايات الثورة السورية.
ورغم بدء استجابات ميدانية من الدفاع المدني والهيئة الوطنية للمفقودين، لا تزال عملية التوثيق وتحديد الهوية في مراحلها الأولى، وسط نقص في الخبرات والبيانات، وغياب إطار قانوني شامل ينظم هذا الملف.
رصدت عنب بلدي 11 مقبرة جماعية استنادًا إلى بيانات رسمية وتصريحات جهات مختصة ومصادر مفتوحة، تم اكتشافها بعد سقوط النظام. وتركزت الاكتشافات في أحياء داخل مدينة حمص، مثل كرم الزيتون ودير بعلبة، إضافة إلى مناطق في الريف الغربي والشرقي، بينها تلكلخ وقلعة الحصن والمخرم والقبو، حيث عُثر على رفات مدنيين، بينهم نساء وأطفال، في آبار مياه وخزانات ومواقع كانت خاضعة لسيطرة قوى عسكرية وأمنية خلال سنوات سابقة.
قال مدير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، إن حمص لُقبت بـ”عاصمة الثورة” لنشاطها الثوري واتساع المواجهات فيها بين الثوار ومناصري النظام السابق، ما جعلها مسرحًا لمجازر وعمليات تصفية واسعة، سواء على الحواجز أو خلال الاقتحامات، الأمر الذي دفع إلى دفن الضحايا بشكل جماعي وسري في مواقع متفرقة.
وأضاف سرية أن بعض هذه المقابر ارتبط بمسارات اعتقال وتعذيب انتهت بالقتل، لافتًا إلى دور مستشفى “حمص” العسكري خلال تلك الفترة، باعتباره أحد الأماكن التي شهدت عمليات تصفية خارج الأطر القانونية.
كيف تتعامل الجهات الرسمية مع المقابر؟
تبدأ الاستجابة الرسمية لاكتشاف المقابر الجماعية في حمص منذ لحظة تلقي البلاغ، حيث يجري التنسيق مع الهيئة الوطنية للمفقودين والجهات الشرطية والقضائية، قبل تنفيذ عمليات كشف ومسح للموقع وانتشال الرفات الظاهر على السطح، بحسب المكتب الصحفي في مديرية الدفاع المدني بحمص.
وبعد ذلك، يُنقل الرفات إلى الطبابة الشرعية في حمص، ثم إلى مركز “الاستعراف” في دمشق، ليتم حفظها لاحقًا في أماكن مخصصة لفريق البحث عن المفقودين، في إطار إجراءات تقتصر حاليًا على الحفظ والتوثيق الأولي.
المستشارة الإعلامية للهيئة الوطنية للمفقودين، زينة شهلا، قالت إن عملية تحديد الهويات لم تبدأ بعد، إلا أن الفرق العاملة في الهيئة تخضع لتدريبات مكثفة باستخدام تقنيات حديثة، بالتوازي مع العمل على بناء خبرات وطنية قادرة على التعامل مع جميع مراحل هذا الملف.
وأضافت شهلا أن الهيئة وقعت اتفاقية مع منظمة “ICMP” للاستفادة من خبرات وخبراء المنظمة لتدريب الكوادر السورية على التقنيات الحديثة، لا سيما تقنيات التوثيق وتكنولوجيا الحمض النووي (DNA) والبصمة الوراثية.
وبهذا الشأن، يرى مدير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، أن الهيئة مطالبة برسم خريطة شاملة لمواقع المقابر وحمايتها وتقديم إجابات للأهالي، إلا أن غياب بنك وطني للحمض النووي ونقص الخبرات المتخصصة يحدان من سرعة التقدم، ويجعلان الاستجابة الحالية محكومة بإمكانات قيد البناء، إذ تعمل الهيئة على تدريب كوادرها والعمل ضمن القدرات الموجودة حاليًا، كما أن الوقت ليس في مصلحة الهيئة، ما يوجب عليها الإسراع في العمل والمهام المكلفة بها.
ويرى الناشط الحقوقي والمؤسس المشارك في “الشبكة المدنية للحقوق والتنمية” ثائر حجازي، أن هناك أيضًا دورًا مطلوبًا من المجتمع المدني السوري، وهو تجاوز مرحلة التوثيق وجمع البيانات، والانتقال إلى الضغط المهني والموضوعي، والمساءلة البنّاءة، والعمل على معالجة نقاط الخلل من خلال حوار دائم مع الهيئة الوطنية للمفقودين.
ومن حق المجتمع والأهالي، بحسب حجازي، السؤال والمعرفة والحصول على تحديثات دورية حول مسار العمل، ولا بد من الاستفادة من خبرات المنظمات السورية التي راكمت تجربة طويلة خلال السنوات الماضية، وهناك حاجة إلى حماية مواقع المقابر والسجون بوصفها مسارح جريمة، ومنع العبث بالأدلة، لضمان عدم ضياع حقوق الضحايا، تمهيدًا لمسار عدالة حقيقية يمنع الإفلات من العقاب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
















0 تعليق