حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية تتويج لأحد أكبر المشروعات اللغوية في العصر الحديث

راية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الدوحة - قنا :

جاء حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي شهده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى اليوم، تتويجا لمسار علمي طويل امتد لعدة سنوات، أنجز خلاله أحد أكبر المشروعات اللغوية العربية في العصر الحديث لتوثيق تاريخ الألفاظ العربية وتطور دلالاتها عبر العصور.
ويؤكد الحضور الكبير من المثقفين والباحثين والأكاديميين في قطر والعالم العربي للحفل أن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية بات مشروعا عربيا ذا إشعاع عالمي، يضع اللغة العربية في قلب النقاشات اللسانية المعاصرة، ويعزز حضورها في البحث العلمي الدولي.
ويعكس الحضور العربي اللافت للحفل المكانة العلمية للمشروع وأهميته، إذ شارك فيه ممثلو منظمات إقليمية ودولية ونخبة من علماء اللغة العربية ورؤساء المجامع اللغوية العربية، إلى جانب كبار المستشرقين المهتمين بالدرس اللغوي العربي، فضلا عن أعضاء المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي وخبرائه وباحثيه الذين أسهموا في إنجاز هذا العمل المعجمي المميز.
ويمثل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية محطة مفصلية في مسار البحث اللغوي العربي، إذ يقدم معجما تاريخيا شاملا يكشف عن تحولات الكلمة الدلالية والصرفية والاستعمالية على امتداد ما يزيد على عشرين قرنا.
وتضمن الحفل كلمات لمسؤولين وعدد من الشخصيات العلمية والفكرية البارزة، أكدوا خلالها تفرد معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، ورصده لحياة الكلمة في سياقاتها الزمنية والمعرفية والحضارية.
وفي هذا السياق، أكدت سعادة السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، في كلمة لها، المكانة المحورية لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية ودوره الفاعل في دعم تعليم اللغة العربية، مشددة على أهمية الاستثمار في المشاريع اللغوية الكبرى، بوصفها ركيزة أساسية لبناء المعرفة وصون الهوية الثقافية وترسيخ مكانة اللغة العربية في الحاضر والمستقبل.
وأضافت أن اكتمال المعجم يجب ألا يقف عند حدود مشروع لغوي رائد، وهو كذلك، وإنما عليه أن يكون استهلالا، وأرضا خصبة لمشروع نهضوي أشمل، مشيرة إلى أن المعجم يمثل الجدية والاستمرارية، بالإضافة إلى القدرة على الجمع والتأليف، بعدما أصبح العمل الفكري الجاد والمستمر في العالم العربي يعاني من غياب سوق رائجة له، في ظل ما يطلق عليه الحالة الموسمية في المشهد الفكري والثقافي العربي.
وأكدت سعادتها أن أهمية المعجم تكمن في عدة عناصر، منها جديته وطبيعته التراكمية، علاوة على المؤسسة الحاضنة له، والتي تتمتع بغزارة الإنتاج، بالإضافة إلى زخم التأليف والترجمة والبرامج الأكاديمية.
وقالت إن المعجم نجح في صهر التباينات بين المشتغلين عليه، في ظل اختلاف مشاربهم، وانتمائهم إلى مدارس فكرية متباينة، إلا أنهم اجتمعوا وعلى مدى أكثر من 10 سنوات في سبيل إنجاز مشروع جامع ونافع، وضمن إطار منهجي، أسفر عن فتح آفاق معرفية فريدة ورائدة ظلت أجيال سابقة تحاول بلوغها، في عالم عربي مات فيه الحوار منذ زمن، نتيجة ما يعانيه من حالات استقطاب.
وأضافت وزير التربية والتعليم والتعليم العالي أن اكتمال المعجم يؤكد أن العلم رحب بين أهله، وما يزال ممكنا في الوطن العربي، في ظل توفر الموارد والمساحات الآمنة لحوار حقيقي، فضلا عن الاشتباك المعرفي البناء والمقاربات العلمية والمشروعات الجادة والنافعة.
وأكدت أن الدوحة التي مدت ظلالها وارفة في الماضي، ليفد إليها مفكرون ومثقفون ومبدعون قادرة ومؤهلة لتلعب دورا خلال المرحلة المقبلة، لاحتضان مشروعات فكرية ونهضوية، تسهم في تحريك عجلة التاريخ لصالح الأمة ولصالح الإنسان المعاصر، الذي ترفض فطرته أن يكون سلعة اقتصادية.
من جانبه، شدد الدكتور عز الدين البوشيخي المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في كلمة له، على الأهمية العلمية والمنهجية البالغة لهذا المشروع المعجمي الرائد، بوصفه ثمرة عمل مؤسسي تراكمي امتد لسنوات طويلة.
ووصف المعجم بأنه "يمثل مشروعا علميا جادا، يتميز بعمقه المعرفي والتاريخي، ويهدف إلى حفظ الهوية اللغوية للغة العربية، ويعيد للأمة الثقة في ذاتها وفي قدراتها، ويحيي لديها الأمل في تحقيق طموحاتها الحضارية".
وقال إن هذا الإنجاز يمثل ثمرة جهد علمي كبير وتعاون ممتد بين نخبة من العلماء والباحثين والمتخصصين في اللغة العربية، وأنه لم يكن مجرد مشروع لغوي تقليدي، بل رؤية معرفية شاملة تستهدف خدمة العربية وتوثيق تاريخها وتطور ألفاظها ودلالاتها عبر العصور.
وتابع بأن العمل في المعجم واجه تحديات علمية ومنهجية كبيرة، نظرا لتعدد المصادر وتنوع الاستعمالات اللغوية، إضافة إلى الحاجة للتدقيق والتحقيق في المصطلحات في مختلف المجالات العلمية والمعرفية، مشيرا إلى أن الفريق حرص على تقديم مادة علمية دقيقة تلبي احتياجات الباحثين والمهتمين باللغة العربية.
وأضاف المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية أن هذا الإنجاز ما كان ليرى النور لولا تضافر الجهود والإيمان بأهمية خدمة اللغة العربية، مشددا على أهمية مواصلة العمل والبناء على ما تحقق، حتى يظل المعجم مشروعا متجددا يخدم الأجيال القادمة.

من جانبه، أكد الدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، على القيمة العلمية الرفيعة لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وكذلك أهميته في المشهد الحضاري والثقافي واللغوي عربيا ودوليا، مشيرا إلى ما يمثله المعجم من إضافة نوعية إلى الجهود الرامية إلى خدمة اللغة العربية.

وأعرب المالك، في كلمة له خلال حفل اكتمال المعجم، عن تقديره لاحتضان دولة قطر ورعاية القيادة الرشيدة لهذا المشروع، في لفتة عكست عمق الاهتمام بالثقافة واللغة، مؤكدا استعداد المنظمة لخدمة المعجم بكل إمكاناتها، ليعم خيره الدول العربية والإسلامية كافة.

بدوره، نوه الدكتور محمود أحمد السيد رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق بالدور المحوري لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية في توثيق تاريخ اللغة العربية، وخدمة البحث المعجمي واللغوي.

ولفت إلى ما يتيحه المعجم من إمكانات علمية غير مسبوقة للباحثين والدارسين، داعيا إلى ضرورة الارتقاء باللغة العربية والنهوض بها والاستثمار فيها، بما يضمن لها استعادة مكانتها اللائقة في مجالات المعرفة والبحث العلمي.

وأكد الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في كلمة له، أهمية البعد الحضاري والمعرفي لاكتمال هذا المشروع اللغوي العربي الكبير، وما يحمله من دلالة واضحة على قدرة العمل العلمي العربي المؤسسي على إنجاز مشروعات معرفية استراتيجية طويلة الأمد.

وشدد على أهمية مدونة معجم الدوحة التاريخي، وأنها لا تقتصر على خدمة الباحثين والمهتمين باللغة العربية، بل تتجاوز ذلك إلى الإسهام في تطوير التطبيقات العربية للذكاء الاصطناعي.

وفي هذا السياق، ثمن احتضان دولة قطر لهذا المشروع العلمي الوازن، داعيا إلى دعم المبادرات اللغوية والمعرفية التي تخدم اللغة العربية وتعزز حضورها في العصر الرقمي.

وجرى خلال الحفل عرض البوابة الإلكترونية الجديدة لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، التي تجسد نقلة نوعية في إتاحة المادة المعجمية التاريخية، وتعكس توجه المعجم نحو تعزيز حضوره الرقمي، وتوسيع دائرة الإفادة العلمية والبحثية من محتواه.

وتتميز البوابة الجديدة بتصميمها الحديث وبنيتها التقنية المتقدمة، وما تتيحه من أدوات بحث واستكشاف تمكن المستخدمين من تتبع تاريخ الألفاظ ودلالاتها عبر العصور بسهولة ودقة، بما يخدم الباحثين والطلاب والمهتمين باللغة العربية، ويعزز التكامل بين العمل المعجمي والوسائط الرقمية المعاصرة.

واختتم الحفل في أجواء عكست الاعتزاز بهذا الإنجاز العلمي العربي الكبير، والتطلع إلى ما يفتحه من آفاق جديدة في البحث العلمي وخدمة اللغة العربية، إذ أكد الحضور أن اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية لا يمثل نهاية مشروع، بل بداية مرحلة جديدة في توظيف هذا المورد المعرفي في خدمة اللغة العربية ومستقبلها.

وفي هذا الإطار، يسجل معجم الدوحة التاريخي للغة العربية باكتمال مشروعه، إسهاما نوعيا في إعادة بناء الوعي بتاريخ العربية، وترسيخ مكانتها لغة حية قادرة على التجدد، ومواكبة متطلبات العصر، والمشاركة الفاعلة في المشهد المعرفي العالمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق