منذ مطلع شهر كانون الأول الحالي، بدأ الأربعيني عدنان الإبراهيم، البحث عن وسائل لتدفئة عائلته المكوّنة من ستة أطفال في مدينة تل أبيض، شمالي الرقة، إذ يعمل باليوميات مقابل أجر يتراوح بين 80 و100 ألف ليرة سورية.
ورغم محاولاته المستمرة، لم يتمكّن عدنان من إيجاد أي مادة تدفئة يمكنه تحمل كلفتها، مع ارتفاع أسعار المازوت والحطب بشكل يفوق قدرته، حيث إن هذا العجز وضعه أمام خيارات محدودة، جعلت الحصول على مصدر للتدفئة أمرًا بالغ الصعوبة مع دخول فصل الشتاء.
دفع هذا الواقع عدنان إلى اللجوء لبدائل قاسية، إذ اضطر لجمع بقايا النايلون والأحذية في منزله، وقطع الشجرة الوحيدة في ساحته لتأمين دفء مؤقّت لأطفاله.
ومع دخول فصل الشتاء، يواجه كثيرون من سكان رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، البالغ عددهم 253 ألف نسمة، صعوبة في التحضير لموسم البرد، إذ شهدت أسعار المحروقات وحطب التدفئة ارتفاعًا هذا العام، ما دفع بعضهم إلى اللجوء لوسائل بديلة مثل البلاستيك (النايلون) والكرتون.
ورصدت عنب بلدي أسعار مواد التدفئة في رأس العين، حيث وصل سعر برميل المازوت (220 ليترًا) إلى 2.2 مليون ليرة سورية (حوالي 188 دولارًا أمريكيًا)، وبلغ سعر طن الحطب أربعة ملايين ليرة، أي نحو 342 دولار، في حين وصل سعر كيس الفحم (25 كيلوجرامًا) إلى 35,000 ليرة (حوالي ثلاثة دولارات)، وسعر الطن من قشور الفستق إلى مليوني ليرة سورية (حوالي 171 دولارًا).
لا قدرة على شرائها
بعد نفاد أكياس الفحم الثمانية التي حصلت عليها من المجلس المحلي في رأس العين، اضطرت حنان المشرف، هي وأطفالها الأربعة إلى جمع بقايا النايلون والكرتون من الشوارع خلال النهار لتأمين تدفئة الليل.
وقالت إنها راجعت عدّة جمعيات للحصول على مواد للتدفئة أو قسائم مالية، لكنها لم تتلقَّ أي استجابة، إذ أُبلغت بأن الجهات الإغاثية لا تملك هذا العام ما يمكن تقديمه.
وأوضحت أنها سجّلت على الدفعة الثانية من الفحم المجاني على أمل أن تصل بأقرب وقت لتأمين الدفء لها ولأطفالها، مشيرة إلى أن استخدام النايلون وبقايا الكرتون تسبب بمشكلات تنفسية لأطفالها، إذ نُقل أحدهم إلى تركيا لسوء حالته.
وطالبت حنان الجهات المعنية بالإسراع في توزيع الفحم وتوفير بدائل آمنة للتدفئة، مؤكدة أن البرد يشكّل خطرًا مباشرًا على صحة أطفالها.
من جانبه، اعتمد راشد الطابي، من بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض هذا العام على تجفيف “الجلّة”، وهي بقايا روث الأبقار والأغنام بعد تجفيفها صيفًا، لتكون مصدر التدفئة الرئيسي لعائلته.
وقال إنه عاد لاستخدامها بسبب ارتفاع أسعار مواد التدفئة الأساسية كالكهرباء والمحروقات، إلى جانب أنها توفّر دفئًا جيدًا وتستمر بالاشتعال مدة أطول مقارنة بغيرها من البدائل.
وبيّن أن استخدام الجلّة بدأ في المنطقة عام 1908، وتوقف عام 2000 بعد توفر مواد التدفئة بأسعار مدعومة، لكنه عاد إليها مجددًا في عام 2019، سبب الحصار وارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير، مؤكدًا أن الجلّة أقل ضررًا من إحراق الكرتون والنايلون.
إتاوات وقيود على توريد المحروقات
أحد موردي المحروقات لرأس العين وتل أبيض، عمر الصالح، قال لعنب بلدي، إن أسعار المحروقات هذا العام سجلت ارتفاعًا بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق.
وأوضح أن السبب الرئيسي يعود لفرض “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إتاوات تصل إلى 30 دولارًا لكل برميل على كل صهريج يفرغ حمولته في المنطقة الفاصلة برأس العين، ليصل البرميل إلى 2.2 مليون ليرة سورية.
وأضاف أنه إلى جانب ارتفاع الأسعار، تؤخر “قسد” وصول الصهاريج المحملة إلى المنطقة العازلة لأيام تصل أحيانًا إلى أسبوع، ما يزيد الطلب والحاجة للمادة.
وأشار إلى أنه في عام 2024، كشفت القوات التركية عبر أجهزة حديثة على صهريج قادم من “قسد” عن وجود لغم معد للتفجير، مما دفع الكثير من العاملين في هذه المهنة إلى تركها خوفًا على حياتهم.
وشهد محل المورد انخفاضًا في مبيعاته بنسبة 45% في العام الحالي عن عام 2023، بسبب عجز أغلبية الأهالي عن شراء مواد التدفئة.
العمل على تأمين مادة الفحم
يعد الفحم المصدر الأساسي للتدفئة في مدينة رأس العين وتل أبيض خلال فصل الشتاء، إذ تعتمد عليه الأسر الفقيرة، خصوصًا الفحم المجاني الذي يوزع من قبل الجهات المحلية لتأمين تدفئة منازلهم.
المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي برأس العين، زياد ملكي، قال لعنب بلدي، إن المجلس المحلي عمل في شهر تشرين الثاني على تأمين 10 أطنان من الفحم لسكان المدينة، بواقع 8 أكياس لكل عائلة، ضمن جهود تهدف لتخفيف معاناة الأهالي في فصل الشتاء خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا.
وأوضح أن المجلس بصدد تجهيز الدفعة الثانية، والتي ستبلغ كميتها أيضًا 10 أطنان، وسيتم توزيعها على جميع السكان، نظرًا لأن الغالبية العظمى يعيشون تحت خط الفقر ويواجهون صعوبات كبيرة في تأمين التدفئة اللازمة لهم و لأطفالهم.
وأضاف ملكي أن المجلس سيعمل أيضًا على تأمين الفحم بالتعاون مع منظمات مثل منظمة “إدارة الكوارث والطوارئ التركية” (AFAD) ومنظمات تركية أخرى، لتوفير المادة للأهالي بأقرب وقت ممكن.
وأشار إلى أن توزيع الدفعة الثانية سيُراعى فيه وصول الدعم لجميع الأسر، والتخفيف من المعاناة الناتجة عن البرد القارس في المدينة.
تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في تل أبيض، الذي أوضح أنهم بصدد شراء 25 طنًا من الفحم والحطام لتوزيعها على الأهالي في أقرب وقت ممكن.
وتشهد رأس العين وتل أبيض قلة في فرص العمل، وتعد الزراعة إلى جانب تربية المواشي من المهن الأساسية التي يعمل بها أغلبية السكان، وهي تشكل مصدرًا رئيسًا للدخل.
وتقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتخضعان لسيطرة الحكومة السورية، وتحيط بهما جبهات القتال مع “قسد”، وتعتبر الحدود التركية منفذهما الوحيد نحو الخارج.








0 تعليق