توفي الكاتب والشاعر السوري حسن النيفي اليوم الخميس 18 من كانون الأول، في فرنسا، بعد تعرضه لأزمة صحية، عن عمر ناهز 62 عامًا، تاركًا خلفه سيرة ثقافية وسياسية تشكلت على تخوم الشعر والسجن والمنفى، وعلى تماس مباشر مع أحد أكثر فصول التاريخ السوري قسوة.
وُلد حسن النيفي عام 1963 في مدينة منبج بريف حلب، ونشأ في أسرة ريفية بسيطة داخل مدينة ذات نسيج اجتماعي مركّب، يجمع بين الطابعين البدوي والحضري.
تفتح وعيه مبكرًا في هذا المناخ على الأدب والشعر العربي، ليحقق حلمه بدراسة اللغة العربية في جامعة حلب عام 1983، حيث أصدر أولى مجموعاته الشعرية “هواجس وأشواق” عام 1985، وهو لا يزال طالبًا في سنته الجامعية الثالثة، بحسب ما قال في مقابلته مع موقع “تاريخي” في 20 من أيار 2017.
بالتوازي مع انشغاله الثقافي، انخرط النيفي في النشاط السياسي والفكري داخل الجامعة، متأثرًا بمرحلة الثمانينات التي وصفها لاحقًا بأنها واحدة من أخطر المراحل في تاريخ سوريا، مع تصاعد العنف والمواجهات بين سلطة الراحل حافظ الأسد وتنظيم “الإخوان المسلمين”، واتساع رقعة القمع لتشمل النقابات وشرائح واسعة من المجتمع. وفي آذار 1980، شهد حصار مدينة منبج وتمشيطها، في مشهد مبكر لما ستؤول إليه البلاد لاحقًا.
وتشكلت لدى النيفي قناعة راسخة بأن مواجهة النظام صارت ضرورة وجودية في ظل ما اعتبره “تغوّلًا كاملًا للأجهزة الأمنية في مؤسسات الدولة، وكان السبيل الوحيد لذلك من خلال الانخراط بالتنظيمات السياسية السرية”.
انتسب النيفي إلى إلى حزب البعث- جناح القيادة القومية المرتبط بالعراق، واستمر في نشاطه المعارض حتى اعتقاله عام 1986، وهو في سنته الجامعية الرابعة.
اعتُقل النيفي من السكن الجامعي، في حادثة قال عنها إن عناصر الأمن طمأنوه بأنه سيعود بعد “15 دقيقة”، قبل أن تتحول تلك الدقائق إلى 15 عامًا من الاعتقال.
بدأ التحقيق معه في فرع الأمن السياسي بالسليمانية في حلب، حيث تعرض لتعذيب قاسٍ ترك آثارًا جسدية دائمة، ثم نُقل إلى سجن حلب المركزي.
وفي عام 1991 صدر عفو رئاسي شمل المعتقلين السياسيين خلال فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، حسن، “كان العفو عبارة عن مساومات حيث يقدم فرع الأمن وثيقة للسجين تتضمن شروطًا ثلاثة ويجب عليه أن يوافق ويوقع عليها حتى يتم الإفراج عنه، وهي أن يعلن انسحابه من حزبه وندمه وإدانته لأفعاله السابقة وتاريخه السياسي، وأن يبدي استعداده للتعاون مع الأفرع الأمنية وتقديم كل المعلومات لها، وعلى هذا النحو، رفضتُ مع 18 معتقلًا آخر التوقيع على الوثيقة وبالتالي لم يتم الإفراج عنا”.
نُقل لاحقًا إلى سجن عدرا وأُحيل إلى محكمة أمن الدولة، حيث استمرت محاكمته قرابة عامين، وصدر بحقه حكمان (15 عامًا و8 سنوات)، دُمجت العقوبتان وفق الحكم الأشدّ. وفي أواخر عام 1995، وبعد رفضه مجددًا التوقيع على الوثيقة الأمنية، جرى نقله إلى سجن تدمر العسكري، حيث أمضى ست سنوات وصفها بأنها الأقسى في تجربته الاعتقالية، في ظل تعذيب يومي وظروف معيشية “تفوق قدرة البشر على الاحتمال”.
داخل السجن، لجأ النيفي إلى الشعر بوصفه وسيلة للبقاء، فكان ينظم قصائده في ذهنه ويحفظها دون تدوين. وبعد الإفراج عنه عام 2001، تمكن من إصدار ديوان “رماد السنين”، الذي شكّل خلاصة تجربته الشعرية في المعتقل.
أُفرج عن النيفي بعد نقله إلى سجن صيدنايا في الأشهر الأخيرة من اعتقاله، ليعود إلى منبج فجرًا، “حاملًا سؤالًا واحدًا ظل يطارده طوال الطريق: هل ما زالت والدته على قيد الحياة؟” داخل المنزل، وبين تهاني الجيران، اكتشف أن أمه توفيت خلال سنوات اعتقاله.
لاحقًا كتب: “دخلت الحمام لأبكي بكاءً لم أبكه طوال 15 عامًا من السجن”.
| كانت عيناي تفتشان في زوايا المنزل عن وجه أمي الذي لم يفارقني طوال سنوات الاعتقال، حتى أخبروني بأنها توفيت. الكاتب السوري حسن النيفي |
بعد خروجه، واصل حسن النيفي نشاطه الفكري والسياسي، فعمل باحثًا في “المنتدى الدولي من أجل إسلام ديمقراطي”، ونشر دراسات في الفكر السياسي والنقد الأدبي في صحف ومواقع عربية، بينها القدس العربي وأورينت، وله مداخلات وتحليلات سياسية عديدة مع عنب بلدي.
كما شغل عضوية مجلس محافظة حلب الحرة بين عامي 2013 و2014، وكان نائب رئيس حزب “النداء الوطني الديمقراطي” ورئيس مكتبه السياسي.
أصدر خلال مسيرته ثلاث مجموعات شعرية:
“هواجس وأشواق” (1986)،
“رماد السنين” (2004)،
“مرافئ الروح” (2010).
أقام النيفي في غازي عنتاب التركية منذ مطلع عام 2014، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى فرنسا، حيث وافته المنية اليوم.
| دخلت الحمام لأبكي بكاءً لم أبكه لم أختبره طوال 15 عامًا من السجن رغم القهر والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضنا له هناك. الكاتب والشاعر السوري حسن النيفي |
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى












0 تعليق