حين يتصدع البيت...

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين يتصدع البيت..., اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 12:45 صباحاً

لم يكن الطلاق يوما حدثا فجائيا، بل هو تراكم صامت يسبق الانفجار؛ صمت طويل تختبئ خلفه خيبات، وتوقعات لم تدار، ومشاعر لم تجد طريقها إلى البوح. وحين نتأمل تزايد نسب الطلاق في مجتمعاتنا، ندرك أننا أمام ظاهرة لا تشرحها الأرقام وحدها، بل يشرحها الإنسان... ذلك الكائن المليء بالبحث عن الأمان، الحب، والاحترام.

الطلاق ليس هزيمة، لكنه علامة، علامة على أن المنظومة الأسرية تنذر بتحولات أعمق مما نرى، وأن المجتمع يمر بمرحلة إعادة تعريف لدوره في حماية علاقاته. ولعل أخطر ما يحدث اليوم هو تفكك مهارات الحياة الزوجية قبل تفكك الزواج نفسه.

1 - حين يغيب الوعي... تفتح أبواب الفقد، أغلب الزيجات التي تنتهي، لا تنتهي لغياب الحب، بل لغياب الوعي. الوعي بما يحتاجه كل طرف ليشعر بأنه مرئي، مسموع، ومقدر. الوعي بأن الزواج ليس مشاعر فقط، بل مهارات: مهارة الإصغاء، التفاهم، الاحتواء، وإدارة الخلاف. وحين يغيب هذا الوعي، يصبح البيت مكانا ينتج فيه كل شيء... إلا الطمأنينة.

2 - ثقافة التوقعات غير المعلنة في مجتمعاتنا، ندخل العلاقات ونحن نحمل صورة مثالية في عقولنا: زوج كما في السيناريوهات، وزوجة كما في القصص المحفوظة. وما بين الصورة والواقع يقف جسر هش اسمه التوقعات غير المعلنة. نريد من الآخر أن يفهم دون أن نقول، وأن يمنح دون أن نطلب، وأن يحتمل دون أن نبرر. وحين تتراكم الخيبات، يبدأ الانهيار من الداخل، بصمت يشبه ذبول قلب.

3 - ضجيج الحياة الحديثة... وزواج بلا وقت، تزايد الطلاق ليس مجرد أزمة داخل البيوت، بل هو انعكاس لأسلوب حياة معاصر يسرق منا كل شيء: وقتنا، هدأتنا، وحتى القدرة على الإصغاء. العمل يمتد خارج ساعات العمل، والإنهاك الذهني يرافقنا حتى النوم. ووسط هذا الضجيج، يصبح الزوج والزوجة كمسافرين على الطائرة نفسها... دون أن يجلسا في المقعد نفسه.

4 - دور المجتمع... ومفهوم الدعم الغائب، ما زلنا نختزل الزواج في «الاحتفال» وننسى أن عمر الزواج يبدأ بعد أن تنتهي الموسيقى. لا توجد مؤسسات كافية تدعم الأزواج الجدد، ولا برامج نوعية لبناء المهارات، ولا ثقافة مجتمعية تقدم حلولا قبل الانفصال لا بعده. المجتمعات التي تتجاهل صحة علاقاتها... تدفع ثمنا مضاعفا في أبنائها، ونسيجها، ومستقبلها.

5 - حين يصبح الطلاق ضرورة... ورغم كل ذلك، لا بد من الاعتراف بشيء مهم:

أحيانا يكون الطلاق حلا... لكنه ليس الحل الأول. هو حق إنساني، لكنه ليس بديلا عن الوعي، ولا عن الإصلاح، ولا عن الحوار. الطلاق ضرورة في حالات يستحيل فيها استمرار الحياة الكريمة، ولكنه يبقى خيارا يجب أن يسبقه جهد... وجهد كبير.

6 - إلى أين نمضي؟ إن معالجة تزايد نسب الطلاق لا تبدأ في المحكمة، بل تبدأ في الطفولة:

في تعليم أبنائنا التواصل، والتعبير، واحترام الاختلاف. تبدأ في إدراك أن كل علاقة إنسانية تحتاج صيانة، تماما كما تحتاج البيوت صيانة. وأن الحب وحده لا ينجح... بل ينجح حين يرافقه نضج ومسؤولية ووعي.

في النهاية، ليس السؤال: لماذا ازداد الطلاق؟ بل: لماذا تراجع حضور الوعي داخل علاقاتنا؟ ولماذا أصبحنا نخجل من طلب المساعدة، رغم أن كل أحد يحتاجها؟ ولماذا نجيد بناء البيوت من الحجر... ولا نجيد بناء البيوت من الروح؟

إن الأسرة ليست مؤسسة اجتماعية فقط؛ إنها مؤسسة حياة. وإذا أردنا أن نحميها، علينا أن نعيد بناء إنسانها أولا: إنسان يعرف كيف يحب، وكيف يختلف، وكيف يبقي الباب مفتوحا للود... حتى في أصعب اللحظات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق