نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«شهر العسل» في مرحلة «السكري» , اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025 11:49 صباحاً
يعتبر داء «السكري» من الأمراض المزمنة التي ترافق المريض مدى الحياة، إلا أن بعض المرضى، وخاصة المصابين بالسكري من النوع الأول، يمرون بمرحلة خاصة بعد التشخيص تعرف طبيا باسم «شهر العسل» أو «الهاني مون»، وهذه المرحلة كثيرا ما تثير تساؤلات المرضى وأسرهم، إذ تتسم بتحسن مفاجئ في مستويات السكر بالدم، ما قد يعطي انطباعا خاطئا بزوال المرض أو سهولة السيطرة عليه.
وجاءت هذه التسمية على سبيل التشبيه، حيث يشبه الأطباء هذه المرحلة بـ»شهر العسل» الذي يلي الزواج، وهو فترة يسودها الاستقرار والراحة قبل الدخول في مسؤوليات الحياة وتحدياتها، وبالمثل يلاحظ مريض السكري خلال هذه المرحلة انخفاضا ملحوظا في الأعراض، وتحسنا في قراءات السكر، واستجابة أفضل للعلاج، وكأن المرض دخل في حالة هدوء مؤقتة.
والواقع.. لا يمر جميع مرضى السكري بمرحلة «شهر العسل»، فهي تظهر بشكل رئيسي لدى المصابين بالسكري من النوع الأول، وتحديدا الأطفال والمراهقين، وقد تظهر أيضا لدى بعض البالغين عند التشخيص المبكر.
أما مرضى السكري من النوع الثاني، فنادرا ما يمرون بهذه المرحلة، وإن حدث تحسن في مستويات السكر لديهم، فيكون غالبا نتيجة الالتزام بنمط حياة صحي أو فقدان الوزن، وليس بسبب «شهر العسل» بالمعنى الطبي.
وتختلف مدة شهر العسل من مريض لآخر، فقد تستمر لعدة أسابيع، أو تمتد لعدة أشهر، وفي حالات قليلة قد تصل إلى سنة أو أكثر، لكنها في جميع الأحوال مرحلة مؤقتة، فعند تشخيص السكري من النوع الأول، يكون البنكرياس قد فقد جزءا كبيرا من خلايا بيتا المسؤولة عن إفراز الإنسولين، لكنه لا يفقدها جميعا، ومع بدء العلاج بالإنسولين الخارجي، يقل الضغط على الخلايا المتبقية، ما يسمح لها باستعادة جزء من نشاطها مؤقتا.
وخلال هذه المرحلة يتحسن التحكم في مستوى السكر بالدم، وتنخفض جرعات الإنسولين المطلوبة، وتقل نوبات ارتفاع السكر، وقد تختفي بعض الأعراض المصاحبة للتشخيص، إلا أن الجهاز المناعي يستمر في مهاجمة خلايا البنكرياس، ما يؤدي تدريجيا إلى تراجع قدرتها على إفراز الإنسولين، وبالتالي تنتهي مرحلة «شهر العسل» ويعود المريض للاعتماد الكامل على الإنسولين الخارجي.
ومن المهم التأكيد أن «شهر العسل» لا يعني الشفاء من السكري، ولا يدل على توقف المرض، بل مجرد مرحلة مؤقتة من الاستقرار النسبي، والاعتقاد الخاطئ بالشفاء قد يدفع بعض المرضى إلى إهمال العلاج أو إيقاف الإنسولين دون استشارة طبية، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الارتفاع الحاد في السكر أو الحموضة الكيتونية.
وتلعب الجوانب النفسية دورا مهما خلال هذه المرحلة، فالمريض قد يشعر بالراحة والاطمئنان الزائد، بينما تعيش الأسرة حالة من التفاؤل المفرط، وفي المقابل قد يشعر بعض المرضى بالقلق عند انتهاء هذه المرحلة وعودة الحاجة إلى جرعات أعلى من الإنسولين، لذلك ينصح بالتهيئة النفسية المبكرة للمريض وأسرته، والتأكيد على أن التغيرات المتوقعة في الجرعات هي جزء طبيعي من مسار المرض.
وقد يتساءل البعض: كيف يمكن الاستفادة من شهر العسل؟ والجواب هو: هذه المرحلة فرصة ذهبية لأمور عديدة منها:
تعلم مهارات إدارة السكري بشكل صحيح، الالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن، الانتظام في قياس السكر ومتابعة القراءات، تعزيز النشاط البدني المناسب للحالة الصحية، بناء علاقة إيجابية مع الفريق الطبي، فالالتزام الجيد خلال شهر العسل قد يساعد في إطالة مدته نسبيا وتحسين التحكم بالسكر على المدى الطويل، ولا يمكن التنبؤ بدقة بموعد انتهاء هذه المرحلة، لكنها غالبا ما تنتهي تدريجيا، حيث تبدأ مستويات السكر بالارتفاع مجددا وتزداد الحاجة إلى الإنسولين، وهنا تكمن أهمية المتابعة الطبية المستمرة لتعديل الجرعات وفقا لاحتياجات الجسم.
وما أود أن أشير له هنا وأكرر التأكيد عليه هو أن شهر العسل في السكري هو مرحلة هدوء مؤقتة، لا فترة أمان دائمة، والوعي بطبيعتها والالتزام بالعلاج وعدم التهاون في المتابعة الطبية، هي الركائز الأساسية للسيطرة على المرض وتجنب مضاعفاته.
الخلاصة: يمر بعض مرضى السكري وتحديدا (النوع الأول) بمرحلة «شهر العسل» كجزء طبيعي من تطور المرض، لكنها لا تلغي حقيقة كونه مرضا مزمنا يحتاج إلى إدارة مستمرة، والفهم الصحيح لهذه المرحلة يمنح المريض وأسرته القدرة على التعامل معها بوعي وثقة، دون الوقوع في فخ الاطمئنان الزائف، وحفظ الله الجميع وسلامة صحتكم.













0 تعليق