الدعم السريع.. قادة الفوضى وانهيار الدولة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدعم السريع.. قادة الفوضى وانهيار الدولة, اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 10:53 مساءً

كذبوا على العالم. تبرأوا كثيرا من مواقفهم وإجرامهم. قتلوا، ونكلوا، وعذبوا، شكلوا أخطر الحروب التي تشهدها القارة السمراء في العصر الحديث، أو على الأقل في العقود الأخيرة.

اعتاد السودانيون في تاريخهم على عدم ثبات واستقرار الدولة. منذ نشأتها تجرعت كؤوس الانقلابات؛ والنزاعات الداخلية. كل من تلك الأحداث له سرديته الخاصة. البعض ساقته الدولة أو ما يتبقى منها، والآخر كان عبارة عن شعارات للمحاربين والمناضلين من أحزاب، أو تجمعات سياسية، أيا كان موقعهم في الهجوم أو الدفاع.

في الغالب ما كانت تطلق شعارات على أي نزاع تشهده السودان، مثل «المؤامرة الكونية» - وهذا بالمناسبة أحد أهم شعارات الهارب بشار الأسد -، أو «الغزو الأجنبي». وذلك له أسبابه ومبرراته، التي يمكن إيجازها بعاملين اثنين، ما هما؟ الأول: حشد المجتمع أو الناس أو البشر. الثاني: التبرير لعدم قدرة الدولة على المواجهة.

حدث ذلك مرارا، في حرب الجنوب الأولى التي استمرت من عام «1955 حتى 1972»، ودار رحاها بين شمال السودان ذي الغالبية المسلمة، والجنوب ذي الأكثرية المسيحية، ووضعت أوزارها بموجب اتفاقية أديس أبابا؛ كان الشعار أنها مؤامرة استعمارية كنسية، دبرتها دوائر مسيحية غربية.

حرب الجنوب الثانية التي اندلعت عام 1983، وتواصلت حتى 2005، واندلعت بين الدولة في الخرطوم، والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، وانقضت باتفاقية ما يسمى نيفاشا الموقعة في نيروبي، كان لها نصيبها من خديعة الشارع السوداني. إذ إن الشعار الذي تم تسويقه وقتها، أن ما يحدث نتاج مؤامرة صهيونية أمريكية.

حتى استيلاء الرئيس المخلوع عمر البشير، وإطاحته بجعفر النميري عام 1989 كان عنوانه «ثورة إنقاذ وطني»، وهو في الأصل انقلاب عسكري.

التهم البشير حكومة منتخبة شرعية جاءت عبر صناديق الاقتراع. استند على دعم الجبهة الإسلامية القومية؛ وهي حركة لها أهدافها الأيديدولوجية، قادها حسن الترابي.

الترابي بالطبع كان هدفه من خلال دعم الانقلاب، تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان. والبشير استخدمه لمخادعة السودانيين بالدين والعواطف.

مر الوقت. اختلف الطرفان بعد أعوام على شكل السلطة. أقال البشير رفيق النضال من رئاسة البرلمان، بعد أن تحول الصراع بينهما إلى معركة كسر عظم.

الأول أراد الاستئثار بالسلطة النظامية. والثاني سعى للتحول لشخصية روحية وفكرية، يستلهم منها السودانيون منهجية الحياة، وفق تعاليمه الشرعية. خشي البشير على نفسه، من تعاظم شخصية الترابي، في مجتمع موصوف بالمحافظة. وكان الشقاق.

ما سبق ليس قضيتي هذا اليوم. لكنه جزء من تاريخ السودان الذي لا يمكن عزله عن الحاضر. لذلك السؤال المشروع: ما وصف ما يحدث الآن؟ الجواب: تمرد، إجرام، نهب، وحشية، انعدام الضمير، والإنسانية.

تروي صحيفة واشنطن بوست؛ قصصا مروعة وصادمة. نقلت قبل أيام عن بعض الناجين، قولهم إن مقاتلي الدعم السريع، اعتقلوا مدنيين جماعيا في مدينة الفاشر، وعرضوهم للتعذيب، وانتهى بهم الأمر لابتزاز عائلاتهم، للحصول على المال.

تلك الشهادات التي أبداها الناجون من إرهاب الدعم السريع، تؤكد أن السودان يعاني من منظمة إجرامية، لا تضع الوطن في أدنى مستهدفاتها. فخطف السوداني، أو احتجازه لابتزاز ذويه، أو ممارسة اغتصاب القاصرات، والإعدام الفوري بدم بارد، والقتل الرسمي، لهو بطاقة لدفع المجتمع الدولي للتدخل في هذه الأزمة، التي تفاقم ضحاياها، وتجاوز المجرمين، كل الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية.

أتصور أن خطوة المملكة المتحدة، في فرض عقوبات على قيادات من الدعم السريع، مبادرة متأخرة، لكنها في شكلها النهائي محمودة، من باب تعاظم الإنكار الدولي، الذي يضع البوصلة على عتبات الخطوة الأولى في المسار الصحيح، لتنفيذ المحاسبة الدولية، لأولئك المجرمين.

برأيي، إن لندن اتخذت ذلك القرار، للحاق بسياق الركب الدولي، الذي سبقها في مثل هذه الإجراءات، كالولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، الذي وضع قيادات الدعم السريع، تحت طائلة العقوبات.

هل هذا يكفي؟ لا. لماذا؟ لأنه لن يسهم في تغيير موازين القوى على الأرض في السودان. ماذا بعد. لن يؤدي إلى تسوية الصراع.

صحيح أن فرض العقوبات على قادة الدعم السريع، يبطن رسائل سياسية؛ مفادها، لا شرعية لسلطة تبنى على المجازر. لكن هل من شأنه إنهاء الحرب؟ لا. لماذا؟ لأن الدعم السريع يقاتل من أجل تكريس رسالته القائمة على تحويل الفوضى وحمل السلاح؛ لمشروع حكم، يجب أن يرتضي به العالم مع الأيام، كفكرة تفرض أمرا واقعا، تغلق الأبواب أمام أي خيارات محلية أو إقليمية ودولية.

إن الرسائل والمواقف السياسية القادمة من الغرب للسودان، لن توقف الحرب، ولن تعيد الحياة لمن قتلوا، ولا الكرامة للمشردين، ولا المال للأسر، التي طلب منها أوباش الدعم السريع المال، لإطلاق سراح الأبناء.

خلاصة القول، لا حاجة للبيانات. ولا للعقوبات الانتقائية. يجب أن يقول العالم لا مكان للميليشيات.

إنقاذ السودان بات ضرورة وليس خيارا. وهذا لن يتم دون القول بصوت واحد من قبل المجتمع الدولي: اذهبوا إلى الجحيم.

لا مساحة لقادة الفوضى.. وأرباب انهيار الدولة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق