نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جدة تقرأ..
ويا ليت!!, اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 10:53 مساءً
تتقدم المدن عندما تصبح الثقافة جزءا من بنيتها العميقة، لا مجرد فعالية تقام وتمضي، والمدن التي تدرك قيمة الكتاب تعرف أن المعرفة ليست ضيفا عابرا على شوارعها، بل ركن من أركان نهضتها، وفي هذا الأفق، أتى وانتهى معرض جدة للكتاب بوصفه علامة على تحول مدينة تعيد ترتيب علاقتها بالمعرفة، وتمنح القراءة موقعها الطبيعي في الحياة العامة.
معرض جدة للكتاب ثاني أكبر معرض للكتاب في المملكة بعد معرض الرياض، وتنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، وقد استند في نسخته الحديثة، المنطلقة عام 2015، إلى إرث يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، حين تبنت الغرفة التجارية بجدة فكرته الأولى، ثم توالت دوراته حتى عام 2006، قبل أن يعود بحلة جديدة تواكب حيوية المشهد الثقافي السعودي؛ وفي الامتداد الثقافي للمعرض سعدت بتوقيع كتابي «بلى يستقيم»، الذي اعتبره محطة تضاف إلى توقيعات سابقة خارج الوطن، في «القاهرة» و»الشارقة»؛ شهدتا حضورا لافتا وتنوعا في القراء والمهتمين، مع التأكيد أن لكل معرض مكانته وخصوصيته وسياقه، وأن اختلاف التجارب هنا اختلاف قرب وبيئة، لا اختلاف مكانة أو أثر.
على هامش الزخم الثقافي لمعرض جدة للكتاب، أطرح جملة ملحوظات تطويرية، مني، ومن بعض الزوار والمشاركين، ومن غالب دور النشر، في إطار يهدف إلى تحسين التجربة في المستقبل، لا الانتقاص من التجربة الحالية: توقيت المعرض يتزامن كثيرا مع الوقت الرسمي للدراسة المنتظمة، وهذا يقلل من فرص حضور جماهيري كبير للمعرض، كما أن بعض الإجراءات التنظيمية للشركة المنظمة، على وجاهتها، تشدد على اتباع النظام حرفيا، وهو أمر نريده جميعا، لكن المغالاة في تنفيذه دون مرونة، تقلل من حركة الزائر، وتجعل من زيارة المعرض أمرا مشوبا بالتردد والانزعاج عند من يفكر القيام بالزيارة؛ إذ أمامه طرق طويلة سيقطعها، ويأمل ويتوقع أن يجد بالمقابل تعاملا أريحيا فيما يخص مواقف السيارات والدخول من البوابات التي تتطلب إظهار «باركود»، وهو أمر يمكن معالجته بوسائل تنظيمية أكثر مرونة، كإيجاد عدادات رصد الكترونية على المداخل، تعمل بالليزر أو بالطرق التي تحقق رصد أعداد زوار المعرض دون التسبب بإزعاج الزائرين بذلك المطلب، أو تحميلهم أعباء إضافية، كما أن منصات التواقيع متعددة وتصنيفاتها متنوعة وأماكنها غير مناسبة ولا إعلانات لها، ومداخل موقع تنظيم المعرض - سوبر دوم جدة - ، لا تعطي انطباعا عن الدخول إلى معرض للكتاب، ويرى بعض الزوار ضرورة أن يكون المشهد البصري للمدخل متفقا وأكثر اتساقا مع روح معارض الكتاب، ومع التقدير لما يبذله الشابات والشباب المتطوعون والعاملون في الاستقبال في مداخل المعرض من جهد وبشاشة، إلا أن ذلك لا يكون كافيا أحيانا لكثير من الزوار في إسعاد نفسياتهم التي أرهقت من قطع المسافات، كما أن فرض «ضريبة» على الكتاب، وهو أحد أهم منتجات الثقافة ونشر الوعي، يدعو لإعادة النظر فيها، وأخيرا ضعف الإعلان عن المعرض، إذ كثير من الناس لا يبدو أنهم يعلمون عن الفعالية نهائيا، أو علموا بها متأخرا.
أختم بأن معرض جدة للكتاب، ليس تجمعا للكتب فحسب، بل إعلان هادئ عن مدينة جميلة تبني حضورها بالمعرفة، وعن منطقة مباركة عظيمة عريقة؛ ومع كل دورة جديدة، يتأكد أن الكلمة لا تزال قادرة على تشكيل الوعي، وأن المدن التي تفتح أبوابها للكتاب تفتح في الوقت نفسه أبوابها للمستقبل، وفي قلب هذا المشهد، يبقى الكتاب رفيقا أمينا، يذكر بأن النهضة تبدأ من الفكرة قبل أن تنقش على الحجر.

















0 تعليق