نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التخطيط والعشوائية والصدفة الكونية!!, اليوم السبت 14 يونيو 2025 09:51 مساءً
يعتقد بعض الفلاسفة أن وجود الإنسان في هذا الكون هو صدفة سعيدة جاءت بشكل غير مخطط، نتيجة انفجارات كونية وسلسلة لامتناهية من الأحداث العشوائية والصدف صاحبتها تغيرات جينية عبر الزمن أدت إلى خلق ظروف موائمة لوجود حياة واعية وذات كفاءة عالية. ولكن هل يوجد صدفة في هذا الكون؟ وهل يمكن أن يظهر شيء ما بلا سبب أو نتيجة؟ وبعبارة أخرى، هل الحياة التي نعيشها الآن هي محض صدفة كونية سعيدة كما يقال؟
في الحقيقة، يؤكد بعض العلماء أن الكون يتسم بالعشوائية في بعض جوانبه، وأن استدامة هذا الكون ناشئة من هذه العشوائية. لن نختلف في المسمى فما يطلق عليه «عشوائية» هي جزء من منظومة معقدة في هذا الكون. الثابت في القول إننا نخطط للمستقبل ونجتهد لتحقيق أهدافنا؛ ولكن قد يبدو هذا التخطيط غير متوافق أحيانا مع الإمكانات أو الفرص المتاحة فلا نصل إلى النتيجة المأمولة.
التخطيط المستدام يؤدي إلى الازدهار الاقتصادي وحماية حقوق الأجيال القادمة. وفي المقابل، قد يساهم التخطيط الذي يميل لخدمة الاقتصاد المحض في تدمير النظام البيئي وظهور الكوارث. قد تكون العشوائية تفسيرا طبيعيا في الحياة تساهم في التنوع والتعددية. وفي جميع الأحوال، لا يمكننا أن نتخبط دون أن نعرف أهدافنا في هذه الحياة.
وعودة للسؤال الفلسفي المطروح فالكون لا يمكن أن يكون قد ظهر عن طريق العشوائية، بسبب تعقيده ونظامه الدقيق، وإذا كنا لا نعرف شيئا ما عن حقيقة هذا الكون، فلا يعني ذلك بالضرورة أن هذا الشيء لا وجود له. لقد جاء الاعتراف بالتخطيط العمراني كجزء من مشروع التحديث لتحقيق الأهداف الرامية لسعادة الإنسان والارتقاء بالبيئة والعدالة الاجتماعية؛ ولكن ذلك لا يعني عدم سعي المجتمعات منذ الأزل للتخطيط وصولا لتحسين أساليب معيشتها.
لقد بنيت المستوطنات القديمة بشكل مخطط لكي تتلاءم مع احتياجات المجتمع والظروف الاقتصادية والمناخية السائدة في ذلك الوقت. ووصفت العديد من هذه المستوطنات التاريخية بمستوطنات مستدامة؛ لأنها كانت قادرة على التكيف مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، والبيئية على الرغم أن مصطلح الاستدامة لم يكن موجودا في ذلك الحين. من قام بالتخطيط لهذه المستوطنات كانوا مخططين عمرانيين؛ ولكنهم لم يتخرجوا من الجامعات، ولم يحملوا شهادات؛ ولكن جهلنا بالشيء لا يعني عدم وجوده أو انتفاء تأثيره. إن الوجود مستقل عن معرفتنا أو فهمنا أو عدم معرفتنا، وهو جوهر في الأنطولوجيا، ففي دراسات الوجود الجهل بالشيء لا ينفي الوجود.
قلت سابقا إن التخطيط والعشوائية هما على طرفي نقيض لا يمكن أن يجتمعا معا، فلا يمكن القول مثلا هذا الحي السكني مخطط عشوائيا فكيف يكون مخططا مسبقا وفي الوقت ذاته عشوائيا؟ في المنظور العلمي والفلسفي العشوائية ليست مخططا لها؛ لكن وجودها مرتبط بأسباب محددة. أما في المنظور الديني فقد تكون العشوائية جزءا من التخطيط، وهو ما يمكن تفسيره بالحكمة الإلهية.
على أي حال، نحن نصف المستوطنات غير الرسمية بالعشوائيات لكونها مناطق بنيت خارج سياق التشريعات العمرانية الرسمية وتعاني من التداعي العمراني. لا يوجد هدف مسبق لوجودها، ولكنها لم تظهر بلا سبب وهي ليست فوضى؛ بل تشكلت ضمن نظام اجتماعي واقتصادي. وهذا يعني أن وجود المستوطنات العشوائية ليس محض صدفة أو وجودا اعتباطيا بلا سبب. وقياسا على ذلك، فوجود الإنسان ليس مجرد صدفة سعيدة!